منذ عدة أيام أشارت جريدة الدستور إلى أنه كادت تتكرر مأساة قطار الصعيد في نفس مكان وزمان الحادث السابق الذي وقع منذ نحو خمسة أعوام في مثل هذا التوقيت تقريبا عندما احترق نحو ثماني عربات من قطار (غلابة بالطبع) قادم من الصعيد إلى القاهرة بينما كان ركابه محبوسين بداخله.
ومنذ ذلك التوقيت تحديدا والكلام لا ينتهي عن تطوير السكة الحديد والعمل على تحديث إمكانياتها.. وقد سعيت كفرد ومواطن من أبناء الشعب المصري المطحون لرؤية هذا التطوير فعلا.. ورغم أني لست من ركاب القطارات بشكل دائم، لكني ركبت القطارات خلال الفترة السابقة أكثر من مرة بحثا عن هذا التطوير المزعوم (وده طبعا بعد ما قريت الشهادة على روحي مقدما في كل مرة تخطو رجلي داخل قطار).. والحقيقة أنني احتجت إلى تليسكوب لكي أرى هذا التطوير.. أو أن ما جال برأسي حين رأيت حال السكك الحديدية في مصر أنه ربما هذا التطوير قد صنع على يد فريق عمل برنامج الكاميرا الخفية! فالأوضاع هي هي.. بل لا أكون مبالغا إن قلت إنها تزداد سوءا عاما بعد عام.. فأنا حين أنظر إلى القطارات وخاصة قطارات الغلابة والتي يطلق عليها (القطار القشاش) أجد منظرها العام يؤكد أنها لا تصلح للاستخدام الحيواني فماذا عن الاستخدام الآدمي؟ وكل ما جد من تطوير على بعض القطارات هو أن تم تلوينها من الخارج فصارت ناصعة وأكثر بياضا وكأنما تم غسلها بأومو..! لكنك من الداخل تجد الأبواب المهكعة نفسها والشبابيك المدغدغة والكراسي الملصمة.. هذا فضلا عن القمامة التي ربما توجد بكل قطار منذ عدة سنوات من قلة النظافة.. ويبدو أن عدوى التلوين هذه انتقلت من هيئة السكك الحديدية إلى هيئة النقل العام مع فارق بسيط وهو أن هيئة النقل العام الآن كلما تلون أتوبيس تضرب سعر تذكرته في اثنين، وكأنما يريدون أخذ حق الدهانات من جيوب الناس رغم أن الناس لم تطالب الهيئة بتلوين الأوتوبيسات..
وربما حاولت الحكومة منذ استوردت الهيئة الأوتوبيسات الخضراء ماركة مرسيدس وسيرتها في شوارع القاهرة أن تقنعنا بأنها مهتمة بنا، إلا أنها فاتها أن تلك الأوتوبيسات صنعها الخواجات لشعوب مرفهة تعرف معنى الترفيه عن حق وليست مثلنا نراه في التليفزيون على وجوه الممثلين ولاعبي الكرة..
حيث صُنعت تلك الأوتوبيسات ليكون ركوبها للجلوس فقط ولم يفكر صانعوها في أن في مصر ناس بتقف جوه الأوتوبيسات، هذا فضلا عن أنها لا تكتفي بالوقوف وإنما بالحشر والالتصاق وربما الالتحام.. وبالتالي صانعو تلك الأوتوبيسات جعلوها بمقاعد كثيرة وممر ضيق على اعتبار أن الراكب لا يقف داخلها وهم لا يدرون أن الوقوف داخل الأوتوبيسات في مصر قد أصبح موضة قديمة وما يحدث الآن هو الالتصاق التام أو الالتحام الزؤام.. وبالتالي أصبحت عملية الالتحام مصرية الصنع عملية صعبة جدا وإن كانت تحلو لكل راجل عينه زايغة قدامه بنت مش فارقة معاها
وطبعا صاحب هذا التميز ارتفاع في أسعار التذاكر ولما وجدت الهيئة أننا شعب غلبان قبل هذا التميز المزعوم بصدر رحب ودفع من جيبه المخروم دوما حق التذكرة المميزة استحلت الحكومة اللعبة وقامت بتلوين الأوتوبيسات القديمة وكتبت عليها (خدمة مميزة). وعندما ارتدت تلك الأوتوبيسات بحكم الفضول أولا وطبيعتي الأوتوبيسية ثانيا (أي من عشاق الأوتوبيسات) وجدت أن ما حدث بها هو نفس ما حدث بقطارات السكك الحديدية بمصر.. مجرد عملية تلوين ومن الخارج فقط، أما من الداخل فالمقاعد كما هي والأرضية كما هي، وكل ما في تلك الأوتوبيسات لم يختلف عن ذي قبل باستثناء شيئين تلوينها من الخارج وارتفاع سعر تذكرتها!
وما يزيد من الغيظ أن جعلت الميني باصات بأسعار خاصة جدا فكل ميني باص تم تخضير لونه أصبحت تذكرته بجنيه وكل أوتوبيس صار أخضراني اللون (على وزن أغنية شادية) بقى زيه زي الأوتوبيسات المرسيدس يبدأ من نصف جنيه وممكن يبقى بـ75 قرش أو جنيه حسب المسافة، ولا تسأل عن حسن الخدمة من عدمها.. فكفاية أنهم لونوا الأوتوبيسات والقطارات حتى لو كان هذا على حساب جيوبنا التي تدفع حق التذاكر المرتفعة ولا تقول "بم" حتى لو أدركنا أن هذا تمهيد لأن تصبح عملية التلوين سياسة حكومية وأمرا طبيعيا..