قديما قال أهل العلم ( المرء مخبوء تحت لسانه فاذا تكلم بان وظهر)
وقد أهتم الأسلام بحفظ اللسان جاعلا منه أدبا رفيعا وخصلة من
خصال الايمان لهذا توالت الوصايا في الكتاب والسنه المطهرة بحفظ
اللسان وترك الكلام في مالا خير فيه ولا منفعة .والتحذير من أطلاق
اللسان عن سوء طوية أو جهل أو هزل لما يترتب علي ذلك من
مفاسد وشرور وأثام .
يقول الله تعالي في (سورة ق/ الأيتان 17-18) ( اذ يتلقي المتلقيان
عن اليمين وعن الشمال قعيد مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)
كما ورد عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أحاديث كثيرة في فضل
حفظ اللسان منها قوله عليه الصلاة والسلام "ان الرجل ليتكلم
بالكلمة من رضوان الله تعالي مايظن أن تبلغ مابلغت يكتب الله
عز وجل له من رضوانه الي يوم يلقاه " وان الرجل ليتكلم بالكلمة
من سخط الله تعالي مايظن أن تبلغ مابلغت يكتب الله تعالي عليه
بها سخطه الي يوم يلقاه (رواه الامام أحمد والترمذي والنسائي
وأبن ماجة بسند صحيح عن بلال بن الحارث المزني)
وفي ذلك تنبيه واضح وصريح بطبيعة الرقابه المتواصلة التي يخضع
لها كل مايصدر عن الانسان قول أو لفظ وأنه حتما محاسب عليه
والقرار بعد ذلك له . واما أن يقول خيرا أو يصمت.. فيغنم واما أن
يطلق للسانه العنان من دون تفكير في عواقب مايصدر عنه ..فيندم
اللسان نصف الأنسان
اللسان ذلك العضو الصغير في حجمه الخطير في أثره هو في
الحقيقة نصف الأنسان ونصفه الأخر قلبه وقد قيل " المرء بأصغريه
قلبه ولسانه" واذا هيأ الله سبحانه وتعالي للانسان التوفيق في
استعمال لسانه وظبطه وكبح جماحه وامساكه فقد أبلغ اليه وتفضل
عليه ومكن له من نفسه
فان الله عز وجل يحب الطيب من القول كما يحب الصالح من
العمل وان الله طيب لايقبل الا الطيب من القول أو العمل
يقول سبحانه وتعالي ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح
يرفعه) (سورة فاطر /الأية 10) وقد أمر الله تعالي عباده المؤمنين
بتعهد القول الحسن والكلم الطيب فقال عز وجل ( وقولوا للناس
حسنا) ( سورة البقرة / الأية 83)
القران المجيد خير مهذب للألسنة
أن الله عز وجل أنزل القران المجيد كلما طيبا طاهرا رفيعا في لفظه
شريفا في معناه عفا رائعا رائقا فهو خير مهذب للألسنة وأبلغ مقوم
لأعوجاج النطق وانحراف القول وأصدق موجه الي الكلمة الرشيده
والحديث الطيب والعبارة الناضجة.
ان أستقامة اللسان تحصل في أستخدامه في مايفيد وينفع .والأبتعاد
به عما يسوء ويضر . وقد أرسي رسول الله (صلي الله عليه وسلم)
قاعدة . اذا التزمها المسلم في أستعمال لسانه استقام علي الخير
والحق . فقال (صلي الله عليه وسلم) من كان يؤمن بالله واليوم
الأخر فليقل خيرا أو ليصمت - أخرجه الأمام أحمد عن عبدالله بن
عمر رضي الله عنهما .
وجاء أعرابي الي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فقال له: دلني
علي عمل يدخلني الجنة . فقال له النبي (صلي الله عليه وسلم)
أطعم الجائع واسق الظمأن وأمر بالمعروف . وأنه عن المنكر فان
لم تطق فكف لسانك الا من خير- أخرجه ابن أبي الدنيا باسناد
جيد عن البراء بن عازب رضي الله عنه .
الا أن المتدبر لأحوال الناس المتتبع لما تنطق به ألسنتهم في
سرهم وجهرهم يجد أن أكثر ماينطقون به لايمت الي الخير ولا
المعروف بصلة بل هو مزيج من الأثم والزور واللغو والباطل لأنه اذا
لم يكن هناك رادع من النفس يردع اللسان فانه ينطلق يهذي بما
يخطر علي الفكر من وساوس شيطانية وشهوات نفسانيه وأفكار
هزيلة بغير تحفظ ولاتبصر في العواقب والحصاد في النهاية البوار
والأنكباب في النار . يقول سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم)
وهل يكب الناس في النار علي وجوههم الا حصائد ألسنتهم؟
أخرجه الترمذي وصححه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
(والذين هم عن اللغو معرضون)
ان الأعراض عن اللغو والبعد عن الزور والثرثرة الفارغه وتنزيه
اللسان عن الخوض في الباطل من أبرز صفات المؤمنين وأوضح
سماتهم التي تميزهم عن غيرهم من الناس وحينما وصف الله
عز وجل عباده الأخيار جعل من أوائل صفاتهم الأعراض عن اللغو
وهو الكلام الباطل الذي لافائدة منه ولامنفعه فيه وقد جعل الله
عز وجل هذه الصفه بين واجبين من أعظم الواجبات هما الصلاة
والزكاة .قال سبحانه وتعالي ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في
صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة
فاعلون) ( سورة المؤمنون / الايات 1-4)
وقال الأمام الأوزارعي كتب الينا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
أما بعد . فأن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد
كلامه من عمله قل كلامه الا في مايعنيه وقد قال سبحانه وتعالي
(مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)
وكما حض الأسلام علي أستقامة اللسان وكبح جماحه عن
الأسترسال في اللغو فقد دعا المسلمين الي حسن المخاطبة
والتزام أداب الحديث بحيث يكون الأنسان رقيق الأسلوب لطيف
العبارة لين القول مع من يخاطبهم ومن ذلك أمر الله عز وجل موسي
وهارون عليهما السلام أن يخاطبا فرعون بالرفق واللين فقال جل
جلاله ( اذهبا الي فرعون انه طغي فقولا له قولا لينا لعله يتذكر
أو يخشي) ( سورة طه/الأيتان 43-44)
كذلك نهي الأسلام عن مجاراة السفهاء ومقابلة الجاهلين بمثل
جهلهم والهبوط الي مستواهم وذكر الله عباده الأخيار فقال سبحانه
وتعالي ( وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا واذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما) ( سورة الفرقان / الأية 63) وقال فيهم عز
وجل ( واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم
سلام عليكم لانبتغي الجاهلين) ( سورة القصص/الأية 55)
هكذا فان القدرة علي الصمت هي السبيل لتربية اللسان وترويضه
ورحم الله عبدا قال خيرا فنعم أو سكت فسلم - كما قال سيدنا محمد
(صلي الله عليه وسلم) في الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا
والبيهقي من حديث أنس رضي الله عنه
__________________